منصور حسن وزير الإعلام و الثقافة الأسبق يفتح خزائنه ‏:‏ أنا أول وزير من رجال الأعمال‏!‏ 29/07/2011

منصور حسن اسم له رنين خاص‏..‏ يحظي بشعبية جارفة‏..‏ عهدته الجماهير سياسيا مترفعا زاهدا في السلطة لا يخشي في الحق لومة لائم‏..‏ كرامته وتر مشدود فهي التي تسعد الإنسان حين يخسر أو يكسب‏,‏ لأنه يفقد ما يفقده عن طيب خاطر من أجل شيء آخر أسمي وأغلي مما خسر علي حد تعبير العقاد‏.‏


وبهذا المنطق الخاص تستحيل بعض الخسائر إلي أرباح.. شرفت بلقائه في المنتزه بالإسكندرية حيث تتلاقي ضربات الأمواج بالصخور العتيقة التي ينتج عنها رذاذ منعش أسهم في تلطيف لفحة النار والهجير التي خلفها شهر يوليو وسخونة الأحداث.. خرج منصور حسن من منصبه وفضل أن يلوذ بصمته يقينا منه أن الأقوال إذا كانت تتشابه فمن المؤكد أن أنواع الصمت تختلف.. فهو شخصية عديدة الثنايا عميقة الأغوار من الصعب استجلاء كل أسرارها.. حسن المنبت وأثر الجغرافيا البشرية في المحبة والاحتواء في أبوكبير كان لهما أبلغ الأثر في صفاء الذهن وحدة وعيه ونضجه وانتمائه للوطن لا المناصب. براعة الاستهلال السياسي المبكر في حياته يعد أمرا لافتا ينم عن الروح الثورية التي كانت ومازالت تسكنه, منصور حسن من أصحاب البصيرة الخاصة التي تستشعر الأحداث وتستشرف ماهو آت.. عام2007 أطلق سهام نقده للسلطة وتنبأ بأنه إذا استمر الوضع القائم فالنظام مرهون بثلاثة بدائل: انقلاب غير مضمون العواقب, أو ثورة شعبية, أو الاصلاح من الداخل بتحفيز من الرأي العام.. اختلف مع السادات ورفض أن تكون المعارضة شكلية عرجاء.. لكنه أبقي علي محبتها تقديره لكل إيجابياته..الشرقاوي الكريم.. عفيف اللسان رفض أن يهيل التراب علي مبارك في لحظات الضعف والانكسار وهو بنزعته الإصلاحية التي تعلي من مبدا التوافقية يمتلك آراء غنية بالتفاصيل تنبض بالحنكة السياسية التي افتقدها أولو الأمر, فحين سئل مثال إغريقي كيف استطاع أن يتفوق علي أستاذه أجاب: كان معلمي أستاذا بارعا لكنه لم يكن يعرف جيدا متي يرفع يده عن التمثال.. إنها لحظة البداية والنهاية الفاصلة في حياة الأفراد والشعوب.. الحوار مع منصور حسن ألهمني العبارة المأثورة: ليت العالم بدلا من أن يستمع إلي عقلائه قد أتاح لهم أن يحكموه.


نشأتك الاجتماعية جمعت بين نقيضين في أبو كبير بالشرقية وفيكتوريا بالإسكندرية.. فما الأثر الذي ترسب في أعماقك من تلك التنشئة الخاصة ؟
بالرغم من أنني لا أهوي الكلام عن نفسي إلا نادرا.. ولكنني أعتز بجذوري وانتمائي لأبو كبير فأنا الابن الأكبر لرجل ميسور الحال بالمقاييس الريفية.. أنجبني وهو في السابعة عشرة.. سميت منصور تيمنا باسم جدي لوالدتي العارف بالله الشيخ منصور أبو هيكل وجريا علي عادة أهل الريف آنذاك تم تسجيل مولدي في مكتب الصحة بعد مرور أيام خوفا من الحسد الذي يصاحب إنجاب الولد.. توفيت والدتي وأنا في العاشرة من عمري وكان الوالد رحمه الله عظيم الطموح والآفاق بصورة تكاد تكون خارقة فعلي الرغم من أن تعليمه لم يتجاوز المرحلة الابتدائية.. إلا أنه بعد التحاقي بفترة وجيزة بالكتاب ثم الروضة.. بلغ مسامعه وجود مدرسة إنجليزية بالإسكندرية يلتحق بها أبناء الباشوات والملوك والرؤساء والعائلات الأرستقراطية فقرر إلحاقي بفكتوريا عام1944 وكانت الإقامة الداخلية بالنسبة لي كشخص ريفي أشبه بالملجأ.. أما أثر والدتي في نشأتي فكان عميقا غائرا مقارنة بالسنوات السبع التي عشتها معها.. وأبرزها الحنان والاحتواء لكل أهل البيت وإحاطة العاملين به والخدم بالرعاية لأنهم جزء لا ينفصل عن الأسرة فالريف كان مرتعا للخضرة ومروج الفطرة النقية التي تنحني بالعطف والرحمة علي كل الصغار وغالبا ما تكون من أهم أسباب الانتماء والارتباط بالمجتمع وهذا ما لا تعرفه المدن الكبري التي كانت تعهد ما لا نعهد من كهرباء ومجار وطرق ممهدة!!
قام والدي بهذه الخطوة( التقدمية) مع الاخذ في الاعتبار أن المدارس الثانوية في الأربعينيات مثل مدرسة الزقازيق الثانوية كانت علي أعلي مستوي من الإمكانيات التعليمية.. ومن ثم ذهبت إلي فيكتوريا بجذور ريفية ازدادت رسوخا في تلك المدرسة التي كانت تعد جزءا من إنجلترا ماثلا في مصر يهدف بصورة سافرة والمساهمة في بناء شخصية قيادية لطلابها وتعليم أبناء الحكام والدول المستعمرة كالهند الثقافة الإنجليزية والانتماء لها.. وكانوا ينجحون في هذا الغرض علي نحو ما مع قلة قليلة والأغلبية تجمع بين الثقافتين.. وكنت من القلة التي تعاني من الصدام الثقافي والمقاومة بالتشبث بالجذور والنزعة الدينية وحيث ان اللغة العربية لم تكن لغة أساسية.. فكنت أحرص علي شراء الجرائد وتهريبها خارج سور المدرسة.. وفي يوم قررت أن نصلي الجمعة ورتبت الأمر مع الطلاب وخرجنا جميعا للصلاة وبعد عودتنا قامت الدنيا ولكنها قعدت مرة أخري برضوخهم أمام الأمر الواقع أسبوعيا.. أما الطامة الكبري فكانت تتمثل في المنشور السري الذي قمت مع بعض الزملاء بطباعته وتعليقه فجرا علي غرف المدرسين والمدير وكانت كلماته تقول" أيها الإنجليز الأوغاد اخرجوا من بلادنا" ثم تطور الأمر إلي حد الفصل من المدرسة ولا أنسي ما حييت رد فعل والدي وأنا أدخل عليه في الثانية صباحا بوجهي شاحبا متجهما لأخبره في وجل أنني فصلت من المدرسة في شهر فبراير قبل حصولي علي الثانوية العامة بثلاثة أشهر فقط أي أن مستقبلي ضاع بعد كل هذا العناء الذي تكبده ماديا ومعنويا باغترابي عنه فصمت برهة وسألني هل تناولت غذاءك إدراكا منه لمدي المأساة التي أشعر بوطأتها إلي هذا الحد كان رجلا عظيما.. خلفية هذه النشأة تغذيها مشاهد الحركة الوطنية التي لا تمحي من الذاكرة.. فالشعب المصري قبل ثورة يوليو كان في قمة شبابه وعنفوانه يقاوم الإنجليز ويسقط الوزارات ويحظي بالتعددية ويمارس الديمقراطية ويستوعب الليبرالية بالرغم من كل المساوئ الملكية من إقطاع وفقر ومشروع حفاة إلا أن النظام لم يكن فاسدا علي إطلاقه كما تم تغليفه تاريخيا!!
كيف تغلبت علي تلك المحنة القاصمة ؟
استعان والدي بالمحامي أحمد رشدي وكان ضليعا في القانون وهو والد صحفية الأهرام انجي رشدي لأن محامي المدرسة مصطفي مرعي من فطاحل المحامين وجهابذة القانون وفي الختام كسبت القضية وعدت للمدرسة ورفض الناظر وحدثت تسوية بين المدرسة والسفير الإنجليزي أسفرت عن تمكيني من أداء الامتحان وبذلك حصلت علي الثانوية العامة.. ثم درست العلوم السياسية بكلية التجارة جامعة القاهرة عام1956 قبل إنشاء كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. ثم نجح والدي في استقطابي للعمل معه في صناعة الدواء التي بدأها ومنحني اختصاصات موازية تقريبا لاختصاصاته.. وفوجئ عام1958 بأنني منهمك في كتابة دراسة سياسة عن أهمية صناعة الدواء وما يترتب عليها من آثار اجتماعية فمن يلجأ للدواء يكون مضطرا صحيا.. وماديا أيضا.. الأمر الذي يستوجب ترشيد وتأميم هذه الصناعة فنظر إلي مليا ولم يعلق ولم يفصح كالعادة عن انطباعه!! كان دائما يتركني أتحمل النتائج ومسئولية أفعالي منذ نعومة أظافري!!
هذه الواقعة تعني أنك كنت يساري الهوي علي الأقل.. فهل كنت عضوا بالتنظيم الطليعي ؟
كنت أتمني ذلك ولكن وفقا لتصنيفات المباحث العامة فأنا أنتمي لعائلة تم تأميمها.. حيث تم تأميم مصنع والدي الذي تحول بعد ضم مصانع له إلي شركة القاهرة للأدوية.. فاليسارية عموما بها نوع من الإحساس بالناس والكثيرين من أبناء الأثرياء كانوا من الاشتراكيين وأكثر إخلاصا للفكر الاشتراكي والمبادئ من الجماعة السياسية التي ينتمون إليها فانجلز كان ثريا ينفق علي كارل ماركس.. ولكن في مجتمعنا تم إقصاء كلمة( الاشتراكية) لتخفيف وطأة الكلمة علي رجال الأعمال وأمريكا واستبدالها بالعدالة الاجتماعية وعموما تحديد المصطلحات ليس في ثقافتنا لأن اللغة السياسية عائمة ومطاطة في كثير من الأحيان.
يقال انك تعرفت علي الرئيس السادات عن طريق وزير الثقافة الأسبق محمد عبد الحميد رضوان وفي مقولة أخري عن طريق هنري كيسنجر.. فأيهما أصوب ؟
التعارف جاء من خلال عبد الحميد رضوان بالطبع ولم أشاهد كيسنجر إلا عقب تعييني وزيرا للإعلام والثقافة.. فالرواية كانت من ضمن الشائعات والهجوم الذي استخدمه الشيوعيون ضدي حيث كنت عائدا من الدراسة بالولايات المتحدة وامتلك شركة مستحضرات تجميل.. ولم أكن متخصصا في مجالها بالطبع ولكنها كانت الميراث المتبقي من تجارة والدي وكان لزاما علي تشغيلها لكي أعيش.. فقيل انه رجل العطور وتلميذ كيسنجر.. ربما كان السبب أني دخلت الوزارة وأنا علي مشارف الأربعين فأنا أول وزير من رجال الأعمال وليس مجموعة وزراء نظيف.. لكني في فترة وجيزة أصبحت معبودا للجماهير أحظي بشعبية جارفة بين المعارضين أكثر من سياسين الحزب الوطني.
كنت وزيرا ناجحا في مجالك.. أقصيت عملك الخاص وتفرغت بنزاهة للعمل العام ولكن بعض رجال الأعمال في وزارة نظيف قاموا بالخلط بين العام والخاص وفشلوا في النتائج ؟
الفئة الوزارية التي يستعين بها رئيس الوزراء في كل العهود ليست هي المحك الأساسي.. إذ كان يعول في اختياراته علي قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب فلا غضاضة في أن يكونوا من التكنوقراط أو رجال أعمال.. فالاختيار كان مرجعه تعاظم المشكلة الاقتصادية آنذاك والتي كان لابد من إيجاد مخرج لها.. وهم بالفعل وضعوا خطة تنمية جيدة ارتفعت بالعائد.. ولكن الخطأ القاتل كان مبعثه أنهم كرجال أعمال قاموا بإدارة البلاد بمنطق الشركات الذي يحتكم فقط للأرباح والخسائر وتناسوا أن الوزارة خدمة عامة لأنهم لم يكونوا سياسيين وبحكم تربيتهم وأسلوب تفكيرهم فلم يراعوا بعد العدالة الاجتماعية الذي كان من المفترض أن يسير متوازيا مع خطة التنمية وقد اعترف نظيف بأن الخطة لم تصل للشعب.. وتعاظمت المشكلة لأن الوزراء ليسوا سياسيين ولا رئيسهم ولا رئيس رئيسهم حسني مبارك وكان ذلك من أهم أسباب قيام ثورة يناير العظيمة!!
هذا يفتح المجال لسؤالك عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها حسني مبارك وأدت إلي سقوط النظام ؟
بانفعال يشوبه استنكار أجاب منصور حسن: انتقدت الحزب الوطني والسلطة وحسني مبارك في عنفوانه ولكن الرجل الآن في محنة ولن أنهال عليه بالانتقادات الجارحة أو الانطباعات الشخصية الخاصة.. ولكن من خلال معرفتي به وبصورة موضوعية تماما فالرجل ليس سياسيا وتاريخه يشهد بذلك فهو علي درجة عالية للغاية من الكفاءة العسكرية يقوم بأداء عمله باقتدار لذلك اختاره السادات نائبا.. لكنه لم يكن مسكونا بالسياسة والعمل العام مثل عبد الناصر والسادات اللذين مارسا العمل السياسي في المرحلة الابتدائية.. فالسياسي تظهر عليه بعض المؤشرات منذ الصغر قد تكون بسيطة لكنها تحمل دلالات خاصة مثل قراءة الجرائد مبكرا قبل اقرانه ورصد أحوال الشارع وانطباعات البشر واهتمامه بالاشتراك في بعض الجمعيات والتنظيمات وقد تكون سرية مثلما فعل الرئيسان وكان أمرا غريبا حقا أن مبارك بعد مرور ثلاثين عاما علي توليه السلطة لم يتطور في ردود أفعاله التي تتسم بالبطء وكانت سببا في تصعيد الأمور واستثارة الجماهير.. فالقدر وضعه في هذه المكانة وحاول الرجل أن يقوم بما في استطاعته وفقا لقدراته التي جعلته ينتظر4 أيام لإقالة الوزارة وقيام الثورة وتفويض نائب رئيس جمهورية وتكليفه بأوامر أي أنه أعطي وأخذ في آن وأسباب أخري عديدة متراكمة أهمها سوء الحالة الاقتصادية وتزوير الانتخابات الأخيرة!!
يقال ان النظام كان متهاويا بأكمله لذلك سقط في أيام ؟
النظام في رأيي كان قويا ولكن جاءه من هو أقوي فالنظام الامني المحكم كان يتصور أنه يستطيع السيطرة علي أكثر الأحداث جللا في غضون8 ساعات وبحد أقصي12 ساعة وكان الشلل السياسي والركود أو عزوف الجماهير عن المشاركة السياسية سببا في ترسيخ هذا المفهوم علي أرض الواقع.. فثورة يوليو برغم إنجازاتها العظيمة إلا أنها كسرت العمود الفقري للإنسان المصري بالقمع السياسي وكان ناصر بزعامته المتفردة في العالم العربي يملك فرصة ذهبية لإرساء الديمقراطية في مصر عقب حرب1956 لذلك أنا أعتبر ثورة25 يناير تحررا من60 عاما وليس من عهد مبارك فقط.
أذن هي ثورة علي ثورة ؟
هي عودة للروح بكل تجلياتها فالمواطن المصري كان سلبيا للغاية لا تعنيه إلا شئونه الخاصة لذلك تتعاظم موهبة هؤلاء الشباب في أحياء هذه الروح.. فأحيانا تكون قلة المعرفة نسبيا وعدم حساب العواقب بدقة من أسباب الشجاعة والإصرار والاقتحام كما حدث مع شباب الثورة فالكبار أقعدتهم الخبرات المتوارثة وحسابات الأعداد والأرقام.
أنت من مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي ولمحت منذ سنوات إلي إمكانية( حله) إذا فشل في الإصلاح الداخلي.. فكيف استشرفت هذه( الرؤية)؟
منذ ارتباطي بالعمل مع الرئيس السادات اعتدت علي أسلوب المكاشفة ومصارحته القول يقينا مني أن هذا ما يميزني عن غيري بكل تواضع.. وكان بدوره يمنحني هذه الأجواء ويستحسن هذه النغمة من الانتقادات في حديثي لأنه كان يفتقدها علي ما يبدو فهو في قمة السلطة منذ عام1952 ومنذ عام1971 حتي1977 كان يسير بصدق في طريق الديمقراطية ولكن بعد الانتفاضة الشعبية شعر أن الأمور تحتاج إلي إحكام القبضة وكان حزب مصر يرأسه ممدوح سالم رئيس الوزراء فقرر السادات عام1978 تأسيس الحزب الوطني وتولي رئاسته وكان عاقدا العزم علي ألا يكون شكليا ولكن عقب دخولي الوزارة.. فاتحني الرئيس في وضع الحزب وقال انه سييء فقلت له: أسوأ مما تتصور يا فندم وأضفت: انه ولد ومات في نصف ساعة.. فلم تكد الهيئة التأسيسية التي اجتمعت في سان استفانو بالإسكندرية تبدأ أعمالها في11.15 وتنهيها في11.45 حيث أتت الجماهير أفواجا للاشتراك في حزب السلطة والقرآن الكريم يقول" وكسونا العظام لحما" إلا أن الحزب تضخم وترهل بالملايين دون وجود الهيكل العظمي الذي يلتف حوله الناس فولد( هلاميا) واختفي بنفس الآلية!! وفي إطار مسار الإصلاح المبكر اقترح السادات إجراء انتخابات من القاعدة للقمة ولم يكن الزملاء يتصورون أن الرئيس يريد دماء جديدة وممارسة جديدة وإلا فالقدماء أفضل لأنهم أكثر خبرة.. وأوضحت للرئيس أننا يجب أن ننجح في مهمتنا حتي لا يشعر المواطن بالإحباط لأنها ستكون التجربة الثانية للحزب والثامنة للنظام بعد هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي.. إلخ.. واكتشفنا أن العناصر الجيدة بمنأي عن الحزب خوفا من اتهامها بالانتهازية.. لذلك فالحزب محروم من الكفاءات ومعظم العناصر الجيدة لها تاريخ سياسي( شيوعيون أو ناصريون أو إخوان مسلمين) وأصبح لدي السادات قناعة كما ذكرت له أن الناس لن يأتوا هذه المرة بالصفارة ولكن لابد من السعي لاجتذابهم واختصارا لم يكتب للتجربة النجاح.. وفيما بعد حسم السادات موضوع الديمقراطية بينه وبين نفسه وصدرت مجموعة من القوانين المكبلة لها مثل قانون العيب وكانت أحداث سبتمبر1981 نقطة فاصلة.. فخرجت من الوزارة.. فالحاكم قد يتسع صدره للآراء المعارضة وقد يضيق بها ذرعا ولا يريد سماع( هذا الكلام الفارغ) وهو في النهاية فعل ذلك وبقيت المودة والمحبة العميقة والاحترام المتبادل ومكانته كزعيم في قلبي وعقلي.
رصدت بذور الفتنة الطائفية في عهد السادات.. فهل كان تدعيمه للتيارات الإسلامية لمجابهة الشيوعيين سببا في اشتعالها ؟
في ثورة1919 وحتي عام1952.. لم تعرف مصر الفتنة الطائفية ولكن بداية من عهد ثورة يوليو التي لم يكن بين مجلس قيادتها قبطي واحد بدأت المشكلة تتنامي وأن كان البعض يري أن عدم تعيين قبطي في مجلس القيادة آنذاك دليلا علي التسامح وطبيعية الأمور وعدم الارتكان إلي الشكل العام فقط لإبراز الأمور بصورة متوازنة كما يحدث الآن عموما.. بعد نكسة1967 اشتد التيار الإسلامي وفي عهد السادات حدثت وقائع مؤسفة مثل اغتيال أصحاب محلات الذهب من الأقباط وأحداث الزاوية الحمراء.. والسادات كانت له سلبيات بالطبع.. لكن إيجابياته أعظم وأعمق أثرا من سلبياته ومشكلة الفتنة لا يتم معالجتها من الجذور.
ما هي توقعاتك للتركيبة البرلمانية القادمة وهل ستتصدر الجماعة الإسلامية المشهد في الانتخابات المقبلة ؟
بداية الانتخابات القادمة ستكون نزيهة بنسبة تقترب من المائة بالمائة.. لأن تزوير الانتخابات في مصر عبر كل العهود كان مرهونا برغبة القيادة السياسية في التزوير وأكثر الانتخابات التي شهدتها مصر نزاهة وشفافية كان عام1924 في عهد وزارة يحيي إبراهيم حيث سقط وهو رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية وانتخابات عام1975 في عهد ممدوح سالم.. قد تكون هناك وقائع تزوير فردية.. لكن رغبة القيادة السياسية كانت ماضية في طريق النزاهة والصدق.. وأتوقع أن يقوم الجيش بأداء واجبه الذي تعهد به من تحقيق أقصي ضمانات الشفافية!! أما الاخوان والتيار الإسلامي عموما فلا أتوقع أن يحصل علي أكثر من30% فهم فقدوا الكثير من تألفهم الذي كان مبعثه الحظر والترصد المفروض حول نشاطهم.. فأصبحوا مثل باقي الأحزاب لديهم انشقاقات طبيعية لاختلاف الرؤي.. وعموما أي جماعة عقائدية تتصل بالجماهير والقاعدة الشعبية لابد أن يصيبها الاعتدال لجذب المزيد من الأعضاء.
كنت وزيرا للإعلام والثقافة.. فما رأيك في منصب وزير الإعلام بين الإبقاء والإلغاء ومن هو أفضل وزير ثقافة في مصر ؟
منذ ثلاثين عاما حين عهد إلي بهذا المنصب وأنا أسعي إلي إلغائه وقد يبدو الأمر غريبا.. ولكنها كانت ومازالت قناعة شخصية ووجهة نظري كانت تتمثل في تعيين أمين لمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون بدرجة وزير والأمر كذلك بالنسبة لهيئة الاستعلامات فدور الوزير يعوق من وجهة نظري انطلاق الإعلام بحرية وأري أن نموذج الـB.B.C هو الأنسب لنا والرقابة تكون شعبية من لجنة الإعلام والثقافة في مجلس الشعب وتتحمل الجماهير نتيجة اختياراتها" كما تكونوا يولي عليكم" فإذا تم اختيار متعصبين متشددين فتلك هي مسئولية الشعب وبالتجربة والخطأ سيتعلم الأصوب.. أما نمط الملكية في الصحافة القومية فالأنسب وجود مجلس تحرير يقر السياسة التحريرية وتقسيم الأسهم ما بين الدولة والعاملين وللأفراد وبكل صراحة فأنا أعتقد أن فاروق حسني أفضل مني كوزير ثقافة قياسا علي إنجازاته ويأتي في المرتبة التالية لثروت عكاشة.. فأنا لم أكن متفرغا وعملي كوزير لشئون رئاسة الجمهورية كان يبتلع معظم وقتي.
ثورة25 يناير بشعبيتها الجارفة تواجه الآن ارتباكا ومأزقا يرجعه البعض إلي عدم وجود قيادة موحدة لهم وذلك من أهم سلبياتها ؟
الإجابة علي هذا السؤال تحتاج تأسيسا تاريخيا موجزا.. فقد اعتدنا منذ عهد عبد الناصر أن نكون وراء أي رئيس بخطوة هو يقترح ونحن ننفذ ولا نبادر بإبداء الرأي خوفا من ألا يوافق رغباته.. بدأت الثورة بحماس وإصرار من الشباب غير مسبوقين وسرعان ما انضمت لها الجماهير لتتكون قماشة الثورة التي بدأت بمظاهرة سلمية وتطورت تدريجيا نتيجة لرد فعل القيادة السياسية والقمع الأمني إلي ثورة شعبية أسقطت النظام.. فالشباب لم يكونوا علي صلة شخصية ببعضهم البعض وتلك ميزة كبري فلو كان لها قائد كنا سننتظر ما يشيره علينا وبالطريق الصحيح الذي يجب اتباعه لأنه يعرف إلي أين نذهب ولكن التجربة تؤكد أن( القائد) في المطلق لا يعلم أيضا في بعض الأحوال إلي أين نسير.. اختفي هذا الشخص.. فشعرت الأغلبية بالارتباك.. أحيانا يستوقفني بعض الناس في الشارع ويسألونني إلي أين نحن ذاهبون.. أجيبهم: إلي المكان الذي تقررونه.. لكن هذه الميزة يقابلها سلبية تشرذم الشباب سريعا إلي(190) تجمعا وائتلافا فأصبح التعامل معهم صعبا ولأن أدواتهم غير مكتملة لم يستطيعوا الوصول للحكم فلدينا جهة تطالب وجهة تلبي متضامنة مع أهدافهم معترفة بشرعيتهم تتمثل في الجيش.. وكان الأفضل أن يتجمع الشباب في حزبين أو ثلاثة علي الأكثر.. مع الأخذ في الاعتبار فروق الأجيال والمواقع والخبرة بين المجلس العسكري والشباب وبعضهم لديه وعي سياسي هائل.. ويبشر بمستقبل أفضل لأننا أصبحنا بكل المقاييس من الدول المتقدمة سياسيا التي لا يغفل فيها الرأي العام عن الدستور والقانون وبالرغم من تعاظم مسئولية الجيش حتي يتم إعادة تشكيل الكيان الأمني بمفهوم جديد.. فأنا أطمئن الناس إلي أن حالة القلق والارتباك أمر طبيعي مرت به دول عديدة قبلنا أثناء عبورها من مرحلة الديكتاتورية للديمقراطية فأسبانيا مكثت فيها خمس سنوات بعد فرانكو والبرتغال بعد سالازار ثماني سنوات وأندونيسيا عشر سنوات مع الانتباه إلي أهمية الوصول إلي صياغة توافقية في بعض الحالات حتي لا تصل الأمور إلي حافة الهاوية والتوافقية من سمات الديمقراطية وليست نقيضا لها.. فيما يتعلق بالمطالب الفئوية فاقتراح إيجاد مكتب ملحق بمجلس الوزراء للاضطلاع بها ليس شكليا كما كان يحدث ولكن عمليا من خلال الدراسة والبحث ورد المظالم إن وجدت.. أنا متفائل جدا ومؤمن بجوهر هذا الشعب الأصيل الذي عاد إليه بريقه مرة أخري.












المصدر : الاهرام